|
هل حان دور وضع القيود على تونس؟

لقد قام الرئيس التونسي قيس سعيد بانقلاب رسمي، تحت ذريعة "الظروف الاستثنائية التي تمر بها البلاد".

وأعلن تجميد صلاحيات البرلمان المنتخب من قبل الشعب، كما علق حصانة النواب المنتخبين، وأقال رئيس الوزراء هشام المشيشي، كما أعلن توليه السلطة التنفيذية عبر رئيس وزراء يقوم هو (سعيد) بتعيينه.

بما أنني من بلد خبِر بشكل جيد شتى أنواع الانقلابات، ويعرف أن الانقلاب ليس بالضرورة أن يكون عبر الدبابات والبنادق فحسب، فلا داعي إذن لشرح مطول حول سبب تسمية ما جرى في تونس بالانقلاب.

في الحقيقة كان موقع "ميدل إيست آي" الشهير قد نشر قبل شهرين مادة حول التطورات في تونس، دعّمها بوثائق حذر خلالها في ذلك الوقت أن ما يجري هو تخطيط لانقلاب في البلاد.

كان من الواضح أن هناك تخطيطًا لانقلاب ما في تونس، ولقد كان وقع تلك الخطوات مسموعًا لدى البعض.

لقد نشر ذلك موقع ميدل إيست آي في شهر مايو/أيار الماضي، وحذّر من التحضير لعمل انقلاب في تونس، مستندًا إلى وثائق تمكن من الحصول عليها.

وفقًا لتلك الوثائق فإن مستشاري الرئيس التونسي سعيد، قد أعدوا له تقارير مفصلة حول ما ينبغي فعله من أجل إحكام السيطرة على زمام البلاد، ومن ثمّ تمكن الموقع المذكور من الحصول على هذه التقارير بطريقة ما، لينشر اعتمادًا عليها أخبارًا حول التحضير لعمل انقلابي في تونس.

ولقد أثارت تلك الأخبار آنذاك جدلًا كبيرًا في أوساط السياسة التونسية الداخلية، لدرجة أن النيابة العامة فتحت تحقيقًا حول ذلك.

لكن من الواضح أن الذين خططوا للانقلاب لم يتخلوا عن مواصلة تحضيرهم لذلك، وجعلوا الرئيس في النهاية يتخذ هذا القرار المناهض للديمقراطية.

من أجل التعرف بشكل سريع ومباشر على رئيس الجمهورية التونسي قيس سعيد الذي قام بهذا الانقلاب، فيمكننا الاطلاع على ما صرّح به شخص يتابع عن كثب تطورات الربيع العربي ويعرف طبيعة هذا العالم العربي بشكل جيد، مثل البروفسور د. ياسين أكتاي، خلال لقائه مع قناة "خبر-7”:

"قيس سعيد في الواقع شخصية مثيرة للجدل، وهو نموذج يجدر بنا التذكير من خلاله على مدى خطورة انتخاب مثل هذه الشخصيات الغريبة والمفاجئة. حينما بدت الجهات الحالية منهكة ومتعبة، تم الاتفاق بشكل قسري نوعًا ما على شخص لم يُحاكم مسبقًا وغير معروف، بل ما يعرف عنه أنه أستاذ للدستور فحسب، ولقد كان هذا التحالف يشبه إلى حد كبير الاتفاق على شخصية أحمد نجدت سيزر في تركيا".

أحمد نجدت سيزر الذي ترأس الجمهورية التركية بين عامي 2000 و2007، لم يكن سوى عضو في المحكمة الدستورية فحسب، وبمجرد خطاب مزجه برسائل أكدت على الوطنية والديمقراطية، استطاع الحصول على أصوات داخل البرلمان من أشخاص وأطياف لم تكن يومًا ما متصالحة معه.

وإن مثل قيس سعيد في تونس كمثل نجدت سيزر في تركيا. لم يكن يعرفهما أحد قبل انتخابهما لمنصب رئاسة الجمهورية.

حينما جاءت الجولة الثانية من الانتخابات نهاية 2019، ولم يتبقّ سوى سعيد ومرشح آخر وريث لزين عابدين بن علي الذي حكم تونس بقبضة من حديدة طيلة 25 عامًا، حصل سعيد على دعم الغالبية بما في ذلك حركة النهضة، وفاز في الانتخابات بسهولة.

وحسب الأستاذ ياسين أكتاي أيضًا، فإن قيس سعيد لم تكن له خطابات بارزة خلال حملة الانتخابات، سوى خطاب أو خطابين. ركز خلالهما على رسائل مفادها أنه سوف يتمسك بالقضية الفلسطينية، وسيتحدث بالعربية أمام فرنسا، مما يعطي انطباعًا أنه رجل وطني من رحم هذه الأمة بنظر الشعب التونسي.

قبل التطور الأخير الذي حصل، لم يلفت نظري من الأخبار حول تونس، سوى خبر كنت أطالعه في إحدى الصحف الأجنبية حول أن وباء كورونا تسبب بحالة شلل للنظام الصحي في البلاد.

لم تكن تونس في الماضي سوى بلد ضعيف الصناعة لا يملك نفطًا وما شابه، يحكمه ديكتاتوريون حافظوا على سلطاتهم بدعم من القوى الأجنبية لا سيما فرنسا، بينما كان الشعب التونسي يتذوق مرارة البؤس.

حتى عائدات السياحة فقد دخلت في وضع خطير بسبب تأثير كورونا السلبي على القطاع، وربما هذا هو الوضع الخطير الذي دفع سعيد لتنفيذ انقلابه.

من الواضح أن نية الرئيس سعيد ومن خلفه مثل فرنسا والإمارات هي تحويل هذه الظروف الصعبة إلى فرصة لتطبيق خططهم الخبيثة، ولولا ذلك لكان من الممكن تطبيق أساليب المصالحة بين الفاعلين التونسيين بشكل ناجح.

لقد نجحت تونس يومًا ما وهي مهد الربيع الربيع والشرارة الأولى لثوراته في أن تبقى على رجليها دون الانجرار للعنف والحرب الأهلية، على عكس ما جرى في دول أخرى مثل ليبيا وسوريا واليمن ومصر. ومن أبرز الأسماء التي لعبت دورًا في تحقيق هذه النتائج هو راشد الغنوشي رئيس مجلس النواب وزعيم حركة النهضة، الذي هو الآن بين من تعرضوا لانقلاب الرئيس سعيد.

لم يخرج الغنوشي عن المسار الديمقراطي التصالحي منذ البداية، وظل مدركًا للاختلافات داخل السياسة التونسية، وحينما وقع الأمر تخلى عن المنصب الذي استحقه عبر الانتخابات.

لقد دعا الغنوشي لعدم ممارسة الشر بحق تونس، يا له نم دعوة صريحة لبلاد الوهم والشر المعروفة، أليس كذلك؟

#تونس
#قيس سعيد
#انقلاب تونس
#تركيا
٪d سنوات قبل
هل حان دور وضع القيود على تونس؟
انهيار مشروع الإرهاب التوسعي
الخنازير لا تتغذى على الكتب المقدسة
لا مفر من حرب عالمية
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة