|
ضامن البلقان

تزامنت زيارة الرئيس أردوغان إلى العاصمة الألبانية تيرانا، مع توقيت التنافس بين "الشرق والغرب" الذي تصاعد في البوسنة والهرسك وأثّر على منطقة البلقان بشكل عام.

وفي السياق ذاته، نتحدث عن الثقل الغربي الذي ظهر على أعقاب الأزمة المندلعة بين روسيا وأوكرانيا، فرأى البعض ما يجري هو توزيع هذا الثقل الغربي على بلدان مختلفة تارة، أو التلويح بالعصا من تحت العباءة تارة أخرى.

وليست موازين البونسة والهرسك من جهة وصربيا من جهة أخرى ببعيدة عن هذه الحسابات. فكما في حالتي أوكرانيا وجورجيا هناك عوامل تغذي احتمالية عدم الاستقرار في هذه المنطقة.

بالطبع موسكو لن تقولها صراحة، إلا أن ما تقوم به يبدو كرد على "استثمارات" الولايات المتحدة/الناتو في "دده أغاتش" باليونان.

وفي هذا السياق ننظر إلى زيارة الرئيس أردوغان إلى البلد الصديق والشقيق الأبدي "ألبانيا"، فكما أنها ترتبط بأسباب فردية/ثنائية، تتعلق كذلك بالمنطقة وتوازناتها.

ليس الاتحاد الأوروبي، بل الناتو هو المهم

خلال جلسة صحفية للرئيس أردوغان خلال زيارته إلى ألمانيا، سئل ما يلي:

بعد تصاعد التوترات في البلقان الشهر الماضي، بدأ النقاش يدور حول مصداقية الاتحاد الأوروبي في المنطقة، بل إن صحيفة ومقرها في بروكسل، كتبت أن "الاتحاد الأوروبي قد فقد مصداقيته في المنطقة، وأن تركيا من خلال الإرث التاريخي المشترك وعلاقاتها الوثيقة مع دول البلقان لأسباب متعددة، جعلت كلًا من الاتحاد الأوروبي والناتو في حاجة إلى تركيا". السؤال هو؛ كيف تتوقعون المرحلة القادمة مع الاتحاد الأوروبي؟

يجيب الرئيس أردوغان: "تركيا تنظر إلى موقف الناتو بأهمية أكثر مما تنظر إلى موقف الاتحاد الأوروبي. فالاتحاد الأوروبي لا يزال يواصل سياسة الإلهاء مع تركيا. أما في الناتو فنحن عضو مشرّف وقوي، وفيما يتعلق بالخطوات المتعلقة بالناتو فإننا كنا ولا نزال على الدوام نقوم بما يتوجب علينا فعله دون تقصير، وسنواصل ذلك. من ناحية أخرى، نحن مهتمون للغاية بسلام منطقة البلقان، وكنا ولا نزال نقوم بما يتوجب علينا للحفاظ على أمن هذه المنطقة. لا سيما وأننا من الدول الضامنة لسلام واستقرار ومستقبل البلقان".

لقد أكد الرئيس أردوغان على ذلك أيضًا خلال كلمته في البرلمان الألباني، وأكد أن "تأسيس بيئة سلام واستقرار دائمين في البلقان هي من أولويات السياسة الخارجية لتركيا. وإلى جانب روابطنا التاريخية المشتركة، فإن حقوق تحالفنا مع الناتو يحتل مكانة مهمة في البعد الأمني لعلاقاتنا".

إن المكتسبات المشتركة بين تركيا والبلقان تحتل مكانًا مهمًا وليست مجرد هامش بالتأكيد. ولذلك فإن عدم الاستقرار في منطقة البلقان كأحد أبعاد الصراع بين روسيا والغرب قد يدفع تركيا نحو الحدود الأوكرانية بشكل أكبر.

علييف في أوكرانيا

من جملة الأسباب التي دفعت للسؤال حول نظرة تركيا لعلاقاتها بالاتحاد الأوروبي، هو الرسائل الحارة التي بعثتها تركيا إلى سفراء الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، لموازنة المواقف المتبادلة مع الاتحاد الأوروبي.

كما يعتبر ذلك أحد الأمثلة التي تشير إلى أن الأزمة بين الولايات المتحدة/الناتو وروسيا التي عصفت بأوروبا قد ضربت بالفعل كل ما في القارة. وهذه العاصفة لم تعد محسوسة في أوروبا فحسب، بل في كل محطة من دول البلطيق إلى حدود آسيا الوسطى والصين. وأهم ما في الأمر هو أن اللاعبين في هذه المناطق الجغرافية النائية يؤثرون بشكل كبير على المناطق الأخرى كذلك.

إلى جانب زيارة الرئيس أردوغان إلى ألبانيا، هناك زيارة أخرى مختلفة جرت يوم السبت الماضي، أجراها الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف إلى كييف التقى خلالها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فهل يمكننا اعتبار هذه الزيارة إحدى الآثار التي نتحدث عنها؟

زيارة ذات معنى. فسرها البعض من منطلق أن أذربيجان تتخذ موقفًا متوترًا، بينما رأى البعض أن الزيارة مفيدة من حيث إيجاد وساطة بين روسيا وأوكرانيا.

بالطبع بينما نتحدث عن هذه الأمور، من المستحيل أن نفصل توقيت ذلك عما يجري في كازاخستان. فهل يمكن أن يكون التدخل العسكري لروسيا وشركائها في كازاخستان، بموجب "معاهدة الأمن الجماعي"؛ قد تسبب في دفع باكو للبحث عن نوع من "المعاملة بالمثل"؟

لقد صرح علييف بعد زياته إلى أوكرانيا قائلًا "أعتقد أننا سنشهد أخبارًا جيدة بعد وقت قصير من اللقاءات التي أجريناها في كييف، والقرارات التي اتخذناها. وحينما سنلتقي مجددًا بعد شهرين في باكو، سنبدأ في رؤية ثمار البذور التي زرعناها في كييف".

سيكون من المهم إذا تضمنت هذه الثمار بعدًا استراتيجيًا كذلك. لأن من جملة القرارات المتخذة هو طريق يربط بين أذربيجان وجورجيا وأوكرانيا ومولدوفا.

ما الذي يجب أن تختاره تركيا في أوكرانيا؟

بينما كان الروس يتدخلون في كازاخستان، كانت أعينهم نحو تركيا كذلك. لم تصدر أي كلمة ضد روسيا من أي مسؤول في أنقرة. بينما لم يصدر عن روسيا أي أمر يمكن أن يتحول لأداة بالنسبة لأنقرة.

ومع ذلك فإن موسكو تدرك جيدًا أن تركيا غير مرتاحة من التدخل الروسي في كازاخستان، وغير راضية عن التدخلات الروسية ضد أوكرانيا.

حينما سئل المتحدث باسم الخارجية الروسية خلال مؤتمر صحفي عن ذلك، أجاب قائلًا "نأمل في أن تمتنع السلطات التركية عن تصريحات متهورة حول الوضع في كازاخستان، وأن لا تحاول الصيد في الماء العكر"، وهذا يعني بشكل مباشر أن تركيا تفكر في ذلك، ولو أن موسكو لم تشعر بذلك لما أدلت بهذا التصريح.

وفي هذا الصدد نلحظ تصريحًا مهمًا من وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو حيال الوضع في كازاخستان، حين قال "يجب أن نجعل التعاون الأمني والاستخباراتي أكثر تنظيمًا ومؤسسية داخل منظمة الدول التركية".

أما حين الحديث عن الوضع في أوكرانيا، فربما تكون الصورة الحاضرة في الأذهان حول موقف تركيا، هي "ضرورة عدم التدخل بهذا الصراع، واتباع سياسة النأي بالنفس"، لكن هذه الصورة تعبر عن الواقع بالفعل؟

بالنظر إلى العلاقة بين أنقرة وموسكو يبدو أن الوضع كذلك فعلًا، فمن الممكن أن نشهد طريقًا مختلفًا غدًا بين آسيا وأوروبا، ولذلك يجب أن نبحث بدقة عن جواب لسؤال؛ "لو تدخلت تركيا فما الذي ستكسبه؟" في ضوء التوازنات والنتائج المطروحة.

#تركيا
#روسيا
#أوكرانيا
#كازاخستان
#ألبانيا
#رجب طيب أردوغان
2 yıl önce
ضامن البلقان
المجلس السياسي لحزب العدالة والتنمية لربع قرن
دروس وعبر من الانتخابات
هجمات إسرائيل على عمال الإغاثة في غزة تضع بايدن في اختبار صعب
الجماعات الدينية المحافظة.. من وجَّه غضبها نحو أردوغان؟
ثورة المتقاعدين