|
رسالة من الطفل السوري أيمن

اسمي أيمن. أنا طفل أعيش داخل خيمة في الشمال السوري قرب الحدود التركية. كان والدي قبل الحرب صاحب بقالة كبيرة في مدينة حلب. وبسبب الحرب خسرنا كل شيء وأُجبرنا على العيش في الخيام. تحاول والدتي بذل كل ما بوسعها للاعتناء بي وبأشقائي الصغار، لكن للأسف الإمكانيات ضعيفة جدًا..

بدأتُ حياتي في مخيم مزدحم جدًا، لذلك فإن أول ما يخطر على بالي خلال استرجاعي لذكريات طفولتي هو المخيم. على سبيل المثال؛ الملعب الذي أنشأته مؤسسة خيرية قرب الخيمة التي نعيش فيها، هو أول ملعب لي. كما أن أول مدرسة أتذكرها هي مدرستي في المخيم، حيث تعلمت القراءة والكتابة هناك، واستخدم معلمنا حينها أساليب ممتعة ورائعة لتعليمنا، على الرغم من الإمكانيات الضعيفة جدًا. وعندما كان يزورنا أهل الخير كنا نحس أنا وأصدقائي بفرحة كبيرة، لأننا كنا نحصل على هدايا.. بالونات ملونة، ألعاب، ملابس جديدة... وفي أحد المرات جاءت مصورة إلى مخيمنا والتقطت لنا العديد من الصور، وكنا أنا وأصدقائي سعداء للغاية بها، حتى أنها أرتنا بعض تلك الصور وكنا مستمتعين للغاية معها.

عندما بدأت في النضوج قليلًا، بدأت في إدراك صعوبات الحياة ولم أعد أشعر بفرحة الطفل البريئة. وبدأت ألاحظ أن علامات الحزن والخوف تبدأ في الظهور على وجه والدي ووالدتي عند اقتراب الشتاء، لم أكن أدرك لماذا ذلك. وذات مرة قالت والدتي وهي تتنهد، "الشتاء قادم..." لم أفهم لماذا كانت تقول ذلك بهذه الطريقة، لكن وعندما تساقط الثلج لأول مرة في المخيم، وأصبحت خيمتنا باردة جدًا بحيث لا يمكن الوقوف فيها، حينها فهمت لماذا قالت أمي ذلك بتلك الطريقة.

يعتبر فصل الشتاء الكابوس الأكبر لأهل المخيم فعند دخول الشتاء نحتاج لشراء الخشب والمازوت ومواد الوقود الأخرى لكي نخفف قليلًا من البرد القارص. ولكي تشتري كل ذلك فأنت بالطبع بحاجة إلى المال، والذي من الصعب الحصول عليه أساسًا. وحتى لو حصلت على المال فإن ارتفاع الأسعار الجنوني جراء الحرب، يجبر سكان المخيمات على انتظار المساعدات الخارجية فإن أتت كان بها وإلا فإنهم يجبرون على القيام بأمور خطيرة للحصول على القليل من الدفء. حيث يقوم بعض الناس ضمن المخيم في أيام البرد القارص بتشغيل النايلون وغيره من المواد القابلة للاشتعال، التي تبعث غازات ضارة وسامة. ومع الأسف، توفي طفل صغير بسبب هذا مؤخرًا.

صعوبة الشتاء لا تكمن فقط في انخفاض درجات الحرارة من وقت لآخر، تحدث هنا عواصف شديدة تخرب الخيام وتمزقها، ولكي تصلح الخيمة أو تشتري واحدة جديدة يجب عليك دفع مبلغ كبير، وإذا عجزنا عن ذلك نحاول الترقيع بالقماش والكرتون الموجود في المخيم.

عندما يكون فصل الشتاء شديدًا ومثلجًا ليس من السهل أبدًا قضاء الوقت في الخيمة. تخيل أنك في نفس المكان من الصباح إلى الليل، تشعر وكأنك في السجن. كما أنك لا تستطيع التجول في الخارج لأن المنطقة كلها مغطاة بالثلوج.. هكذا تمر الأيام والأسابيع داخل الخيمة...

أما موسمي المفضل فهو فصل الربيع. فعندما يدخل شهر الربيع وترتفع درجات الحرارة تدريجيًا، يمتلئ قلبي بالفرح. ومع ذلك فإن المتاعب لاتنتهي، فمع ارتفاع درجات الحرارة قليلًا يبدأ الجليد في الذوبان، ويغمر الماء خيامنا بشكل كامل. وتبقى البسط والأسرة والألحفة، كلها رطبة لأسابيع.

أما بالنسبة لفصل الصيف داخل الخيام فإن المعاناة فيه لاتختلف كثيرًا عن الشتاء وخصوصًا عندما ترتفع درجات الحرارة بشكل كبير. وعندما ينتصف فصل الصيف وتصل درجات الحرارة إلى 45 درجة مئوية نصبح مجبرين على الخروج من الخيام، لكن لحسن حظنا فإننا نعيش في منطقة معتدلة نوعًا ما ولا يوجد فيها رطوبة، لذلك من الممكن نسبيًا تحمل القليل من الحرارة. ويمكننا قضاء بعض الوقت تحت الأشجار حول المخيم. لكن يجب علينا الحذر لأن العقارب والثعابين موجودة بكثرة هناك. نحن دائمًا في حالة تأهب لهذه الحيوانات، لأنها مؤذية وضارة ومميتة أيضًا.

بعد انتهاء فصل الصيف يأتينا فصل قصير نستريح فيه قليلًا ألا وهو فصل الخريف، لكنه مع الأسف يمر بسرعة ليأتي فصل الشتاء مرة أخرى وتعود المتاعب من جديد... هكذا تمر حياتنا في المخيم. انتهى.

الثلج الذي يعتبر شيئًا مميزًا ورائعًا ومفرحًا للكثير منا هو كابوس مخيف للعديد من الناس في منطقتنا. لاسيما أولئك الذي يعيشون في المخيمات شمالي سوريا ولبنان، للأسف إنهم في وضع صعب للغاية. لقد نقلت لكم أعلاه بعض الصعوبات التي يواجهها أولئك الأشخاص بلسان أخينا الافتراضي "أيمن".

نحن أمام مسؤولية كبيرة، فهؤلاء إخوتنا وأهلنا ويجب علينا مساعدتهم ومد يد العون لهم.. ابحثوا عن عن أي مؤسسة خيرية موثوقة بالقرب منكم وقدموا المساعدة لإخوانكم في المخيمات فإنهم يعيشيون تحت ظروف صعبة جدًا. دعونا نمد أيدينا إلى المظلومين الذين يرتجفون تحت الثلج ولا معين لهم، دعونا نقدم لهم كل ما نستطيع..

دعونا نتحمل المسؤولية الواقعة على عاتقنا ولا ننسى أن هناك لنا إخوة يعانون الأمرين جراء الثلوج والبرد القارص.

#المخيمات إدلب
#شتاء اللاجئين
#السوريين
#تركيا
2 лет назад
رسالة من الطفل السوري أيمن
مئتا يوم من وحشية العالم المنافق
العلاقات التركية العراقية.. خطوة نحو آفاق جديدة
الصراع ليس بين إسرائيل وإيران بل في غزة حيث تحدث إبادة جماعية
التحرر من عبودية الأدوات والسعي لنيل رضا الله
هجوم أصفهان